بصيرة قوس قزح

تتواتر الحياة اللونية في لوحات الفنان عبدالله الشيخ بشكل درامي تتماهى فيه العناصر المتضادة المتكاملة معا. إنه يصور حالة الوعي بكل متناقضاته وألفته، وعي الإنسان المارق البسيط، المجلل بالحزن والمغتبط بصحبة الأشياء.

لقد ذكرت” الحياة اللونية” وهذا الفهم الأولي لحركة اللون، وحضوره في اللوحة التشكيلية قد يؤول – بشكل تأويلي – إلى أن ثمة ما يخفق في اللون، ويحيا، يتآلف مع اللحظة الزمكانية، يحتضنها، يعبر عنها، يصوغها، يحكيها من جديد، في سرد لا يتشكل بالضرورة عبر رمزية اللون، بل من خلال هذا الحوار الصامت الذي تنطوي عليه اللوحة في حدقاتها اللونية المتجاورة.
إن عبدالله الشيخ يقدم في لوحاته حياة لونية متميزة، إنها بالأحرى صياغة تشكيلية لأطيافه الذاتية. فالفنان الذي عايش أحداثا، وجرب حنكة الواقع، وحصافة الوجود، أدخلته يد الله في التجربة، على حد تعبير الشاعر أمل دنقل، فتمرسها، وخبرها، وكابدها، ومن نتاج هذه التجربة تشكلت عوالم لوحاته وفضاءاتها الحادة الملساء، الصارخة الواعية.

ينهض الأفق التشكيلي لدى الفنان عبدالله الشيخ على تحويل عناصر الواقع، وأحداث الوجود إلى قيمة، وهو في هذا التحويل ينطلق من موقف فني راء، إذ إن هذا التحويل لا يتم التعبير عنه بشكل نمطي كلاسيكي، أو بشكل يضاهي الواقع ويماثله، أو بشكل طوباوي يبحث عن رومانتيكية ما، قد حدت من وجودها هذه الأحداث المتواترة المتوترة التي أصابت جسد العالم والإنسان.
إن البحث في الخبايا، والإيغال في تأويل الدلالات تشكيليا، وإعادة نسج الأشياء والأحداث بما يلائم حالة الشجن الداخلي للإنسان هو ما يتوق الفنان الشيخ إلى توصيله لمتلقي اللوحة، فاللوحة هنا ليست مجرد استدعاءات لونية أو مضمونية متجاورة، بل هي نسيج، وهي سؤال حاد نزق، يأتي بمثابة الصدمة للوعي، والذهن، ومباغتة الفكر بما تطرحه اللوحة من دلالات.
ويحتضن ذلك كله هاجس فني تجريبي لا يقف عند حدود التعبير بالرسم، بل إنه يصل إلى اصطفاء شكل اللوحة ومقاساتها، وطريقة استخدامه لخامات التصوير، وكسر حدة الشكل المربع أو المستطيل للوحة، عبر تقديمها بأشكال مقصوصة الزوايا، أو متخذة أشكالا متعددة متعرجة أو منحنية أو هندسية في أطرافها الأربعة.

كما نجد في مجموعة لوحاته المسماة:” أشياء من هذا العصر”، وهي مجموعة تحمل رؤى وأسئلة حادة نزقة يزجيها الفنان لمواجهة هذا العالم المتسارع في دراميته ومأساويته.
عبدالله الشيخ في مجموعة:” أشياء من هذا العصر” هو الصائغ، المنمنم، الرائي، الذي لا تفتنه الأشياء قدر ما يفتنها هو بوضعها في تجاورات مكانية في سياق اللوحة لا تألفه، لن أقول إنها تجاورات متناقضة بل هي تناقضات متكاملة بمعنى أنها تمثل الوعي في حالاته المختلفة، ومن هنا فإن التبرير التأويلي لهذا الحضور يتمثل في أن الفنان يلج إلى لوحته من عتبات المفارقة، والسخرية الحادة من الواقع، وتقلبات العالم.

وترتكز عناصر اللوحة عند عبدالله الشيخ على: اصطفاء الألوان الداكنة، والساخنة أحيانا، وإبراز الغياب، إذا صح التعبير، عبر هذه الألوان، وتقسيم اللوحة إلى ثيمات وأشكال متجاورة: مربعات صغيرة تلقائية لا هندسية، خطوط أفقية ورأسية، أشكال أفقية مستطيلة حادة، تكرار أرقام، دوائر وأشكال هندسية صغيرة دقيقة تتبدى في خلفية اللوحة، غمر اللوحة كلية بلون أساسي، لقى، وإحداثيات، وأجزاء من آلات ومعدات حديدية على الأغلب، تمثل لأجزاء من أبواب خشبية عتيقة، واستثمار الخامة اللونية بمواد لونية مختلفة، يمثل ” الإكريلك” معظمها، بصلابته وديمومته ولدونته وانسيابه أيضا، وحدته، مع التنقل ما بين بروز ملمس اللوحة أو تعميقه بحفر بعض الخطوط الدقيقة جدا، بشكل منمنم في خلفية اللوحة والتجاور بين الناتئ والعميق، وتسميك بعض مناطق اللوحة لونيا، وإبراز ضربات الفرشاة في بعض مساحات اللوحة، في الأشكال التي تمثل الكتلة الرئيسية للوحة، أو موضوع اللوحة.

عبدالله السمطي (مجلة ايلاف، 29 يوليو، 2010)